فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّ هذا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تقول لهم الملائكة: إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ يَوْمَ الفصل}.
أي فصل الحق عن الباطل والمحق عن المبطل بالجزاء أوفصل الشخص عن أحبابه وذوي قرأبته {ميقاتهم} وقت وعدهم {أَجْمَعِينَ} وقرئ {ميقاتهم} بالنصب على أنه اسم إن والخبر {يَوْمُ الفصل} أي إن ميعاد حسابهم وجزائهم في يوم الفصل وليس مثل إن حراسنا أسدًا.
{يَوْمَ لاَ يُغْنِى} بدل من {يوم الفصل} [الدخان: 40] أو عطف بيان عند من لا يشترط المطابقة تعريفًا وتنكيرًا، وجوز نصبه بأعني مقدرًا وأن يكون ظرفًا لما دل عليه الفصل لا له للفصل بينه وبينه بأجنبي، وهو مصدر لا يعمل إذا فصل لضعفه أوله على قول من اغتفر الفصل إذا كان المعمول ظرفًا كابن الحاجب. والرضى، وجوز أبو البقاء كونه صفة لميقاتهم.
وتعقب بأنه جامد نكرة لإضافته للجملة فكيف يكون صفة للمعرفة مع أنه لا يصح بناؤه عند البصريين إذا أضيف إلى جملة صدرها معرب وهو المضارع أي يوم لا يجزى {مولى عَن مولى شَيْئًا} من الإغناء أي الإجزاء، فشيئًا منصوب على المصدرية ويجوز كونه مفعولا به، ويغني بمعنى يدفع وينفع.
وتنكير {شَيْئًا} للتقليل، والمولى الصاحب الذي من شأنه أن يتو لى معونة صاحبه على أموره فيدخل في ذلك ابن العم والحليف والعتيق والمعتق وغيرهم، وذكر الخفاجي أنه من الو لاية وهي التصرف فيشمل كل من يتصرف في آخر لأمر ما كقرابة وصداقة وهو قريب مما ذكرنا.
وأيًا ما كان فليس ذلك من استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد، ولوسلم أن هناك مشتركًا استعمل في أكثر من معنى كانت الآية دليلًا لابن الهمام عليه الرحمة في جواز ذلك في النفي فيقال عنده: ما رأيت عينًا ويراد العين الباصرة وعين الذهب وغيرها ويعلم من نفى إغناء المولى نفى إغناء غيره من باب أولى.
{و لاَ هُمْ يُنصَرُونَ} الضمير عند جمع للمولى الأول؛ والجمع باعتبار المعنى لأنه نكرة في سياق النفي وهي تعم دون الثاني لأنه أفيد وأبلغ لأن حال المولى الثاني نصرته معلوم من نفي الإغناء السابق، ولأنه إذا لم ينصر من استند إليه فكيف هو، وأيضًا وجه جمع الضمير فيه أظهر، وجوز عوده على الثاني للدلالة على أنه لا ينصره غير مو لاه وهو في سياق النفي أيضًا وإن لم يكن في ذلك بمرتبة الأول.
نعم قيل في وجه الجمع: عليهما؛ إن النكرة في سياق النفي تدل على كل فرد فرد فلا يرجع الضمير لها جمعًا.
وأجيب بأنه لا يطرد لأنها قد تحمل على المجموع بقرينة عود ضمير الجمع عليها، ولعل الأولى عود الضمير على المولى المفهو م من النكرة المنفية، وقال بعض: لوجعل الضمير للكفار كضمير {ميقاتهم} [الدخان: 40] كثرت الفائدة وقلت المؤنة فتأمل.
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} في محل رفع على أنه بدل من ضمير {يُنصَرُونَ} [الدخان: 41] أو في محل نصب على الاستثناء منه أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله تعالى وذلك بالعفوعنه وقبو ل الشفاعة فيه.
وجوز كونه بدلًا أواستثناءً من {مولى} وفيه كما في الأول دليل على ثبوت الشفاعة لكن الرجحان للأول لفظًا ومعنى؛ والاستثناء من أي كان متصل، وقال الكسائي: إنه منقطع أي لكن من رحمه الله تعالى فإنه لا يحتاج إلى قريب ينفعه ولا إلى ناصر ينصره، ولا وجه له مع ظهور الاتصال، نعم إنه لا يتأتى على كون الاستثناء من الضمير وكونه راجعًا للكفار فلا تغفل.
{إِنَّهُ هو العزيز} الغالب الذي لا ينصر من أراد سبحانه تعذيبه {الرحيم} لمن أراد أن يرحمه عز وجل.
{إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} مر معنى الزقوم في الصافات (62) وقرئ {شَجَرَةٍ} بكسر الشين.
{طَعَامُ الأثيم} أي الكثير الاثام والمراد به الكافر لدلالة ما قبله وما بعده عليه دون ما يعمه والعاصي المكثر من المعاصي ثم إن المراد به جنس الكافر لا واحد بعينه، وقال ابن زيد وسعيد بن جبير: إنه هنا أبو جهل، وليس بشيء ولا دليل على ذلك بما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي مالك من أن أبا جهل كان يأتي بالتمر والزبد فيقول: تزقموا فهذا الزقوم الذي يعدكم به محمد صلى الله عليه وسلم فنزلت: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} لما لا يخفى، ومثله ما قيل: إنه الوليد.
وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن الأنباري وابن المنذر عن عوف بن عبد الله أن ابن مسعود أقرأ رجلًا {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} فقال الرجل طعام اليثيم فرددها عليه فلم يستقم بها لسانه فقال أتستطيع أن تقول طعام الفاجر؟ قال: نعم قال: فافعل، وأخرج الحاكم وصححه وجماعة عن أبي الدرداء أنه وقع له مثل ذلك فلما رأى الرجل أنه لا يفهم قال: إن شجرة الزقوم طعام الفاجر.
واستدل بذلك على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها.
وتعقبه القاضي أبوبكر في الأنتصار بأنه أراد أن ينبهه على أنه لا يريد اليتيم بل الفاجر فينبغي أن يقرأ {الأثيم} وأنت تعلم أن هذا التأويل لا يكاد يتأتى فيما روي عن ابن مسعود فإنه كالنص في تجويز الإبدال لذلك الرجل وأبعد منه عن التأويل ما أخرج ابن مردويه عن أبي أنه كان يقرىء رجلًا فارسيًا فكان إذا قرأ عليه {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} قال: طعام اليتيم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قل له طعام الظلام» فقالها ففصح بها لسانه، وفي الباب أخبار كثيرة جياد الأسانيد كخبر أحمد من حديث أبي هريرة «أنزل القرآن على سبعة أحرف عليمًا حكيمً غفورًا رحيمًا». وكخبره من حديث أبي بكرة كله أي القرآن شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحوقولك تعالى وأقبل وأسرع وعجل إلى غير ذلك، لكن قال الطح أو ي: إنما كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة بلفظ واحد لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الكتابة والحفظ، وكذا قال ابن عبد البر. والباقلاني وآخرون، ولعله أن تحقق إبدال من أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعده عليه الصلاة والسلام يقال: إنه كان منه قبل الاطلاع على النسخ ومتى لم يجز إبدال كلمة مكان كلمة مؤدية معناها مع الاتحاد عربية فعدم جواز ذلك مع الاختلاف عربية وفارسية مثلًا أظهر، وما روي عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه من أنه يرى جواز قراءة القرآن بالفارسية بشرط أداء المعاني على كمالها فقد صح عنه خلافه، وقد حقق الشرنبلالي عليه الرحمة هذه المسألة في رسالة مفردة بما لا مزيد عليه، وقد تقدم في هذا الكتاب شيء من ذلك فتذكر، والطعام ما يتناول منه من الغذاء وأصله مصدر فلذا وقع خبرًا عن المؤنث ولم يطابق، وجوز أن يكون ذلك من باب قوله:
إنارة العقل مكسوف بطوع هو ى ** وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا

فكأنه قيل: إن الزقوم طعام الأثيم.
{كالمهل} عكر الزيت كما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وجاء في حديث رواه الحاكم وغيره عن أبي سعيد مرفوعًا وفيه (فإذا قرب إلى وجهه يعني الجهنمي سقطت فروة وجهه) وربما يؤيد بقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السماء كالمهل} [المعارج: 8] مع قوله سبحانه: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان} [الرحمن: 37] وقال بعض: عكر القطران، وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الصديد، ومنه ما في حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه ادفنوني في ثوبي هذين فإنما هما للمهل والتراب.
وفي رواية أخرى عنه رضي الله تعالى عنه أنه ما أذيب من ذهب أوفضة أوحديد أو رصاص، وروي ذلك عن ابن مسعود، قيل: وسمي ذلك مهلًا لأنه يمهل في النار حتى يذوب فهو من المهل بمعنى السكون، وادعى بعضهم الاشتراك وقد جاء استعماله في كل ما سمعت، وقرأ الحسن {كالمهل} بفتح الميم وهو لغة فيه، والجار والمجرور أو الكاف في محل رفع خبر مبتدأ محذوف والجملة استئناف لبيان حال الطعام أي هو كالمهل أو مثل المهل، وقوله عز وجل: {يغلي في البطون} خبر ثان لذلك المبتدأ، وقيل: حال من الضمير المستتر في الجار والمجرور فيكون وصفًا للطعام أيضًا؛ وقال أبو عبيد: هو حال من المهل، وقيل: صفة له لأن أل فيه للجنس نحوأمر على اللئيم يسبني ويعتبر داخلًا في التشبيه وأنت تعلم أن غليان الطعام في البطن فيه مبالغة أما التشبيه بمهل يغلي في البطن فلا، وقيل كالمهل أو الكاف خبر ثان لأن وجملة {يغلي في البطون} حال من الزقوم أو الطعام.
وتعقب بأنه منع مجىء الحال من المضاف إليه في غير صور مخصوصة ليس هذا منها ومنع مجيئه من الخبر ومن المبتدأ.
وأجيب بأن هذا بناءً على جواز مجىء الحال من الخبر ومن المبتدأ والمضاف إليه المبتدأ في حكمه وأن ما ذكر من الصور التي يجىء الحال فيها من المضاف إليه لأن المضاف كالجزء في جواز إسقاطه، ولا يخفى أنه بناءً على ضعيف، وقيل: كالمهل خبر ثان والجملة حال من ضمير الشجرة المستتر فيه، والتذكير باعتبار كونها طعام الأثيم أولاكتسابها إياه مما أضيفت إليه نظير ما سمعت في البيت آنفًا وهو تكلف مستغنى عنه، وقيل: الجملة على ذلك خبر مبتدأ محذوف هو ضمير الطعام أو الزقوم فإن كانت الجملة حينئذٍ مستأنفة فالبحث هين وإن كانت حالة عاد ما مر آنفًا ولا أراك تظنه هينًا، وقيل: كالمهل حال من طعام وحاله معلوم، وبالجملة الوجوه في إعراب الآية كثيرة وأنا أختار منها ما ذكرته أولا.
وقرأ عمرو بن ميمون. وأبورزين. والأعرج. وأبو جعفر. وشيبة. وابن محيصن. وطلحة. والحسن في رواية. وأكثر السبعة {تغلي} بالتاء الفوقية فكالمهل خبر ثان لأن وجملة {تغلي} خبر ثالث واتحاد المبتدأ والخبر متكفل باتحاد القراءتين معنى فافهم ولا تغفل.
{كَغَلْىِ الحميم} صفة مصدر محذوف أي غليًا كغلي الحميم، وجوز أن يكون حالًا، والحميم ما هو في غاية الحرارة.
{خُذُوهُ} على إرادة القول والمقول له الزبانية أي ويقال لهم خذوه {فاعتلوه} فجروه بقهر.
قال الراغب: العتل الأخذ بمجامع الشيء وجره بقهر، وبعضهم يعبر بالثوب بدل الشيء وليس ذاك بلازم والمدار على الجر مع الإمساك بعنف.
وقال الأعمش ومجاهد: معنى {اعتلوه} اقصفون كما يقصف الحطب، والظاهر عليه التضمين أوتعلق الجار بخذوه، والمعنى الأول هو المشهور.
وقرأ زيد بن علي. والحجازيان. وابن عامر. ويعقوب {خُذُوهُ فاعتلوه} بضم التاء وروي ذلك عن الحسن. وقتادة. والأعرج. على أنه من باب قعد، وعلى قراءة الجمهور من باب نصر وهما لغتان {إلى سَوَاء الجحيم} أي وسطه، وسمي سواء لاستواء بعد جميع أطرافه بالنسبة إليه.
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} كأن أصله صبوا فوق رأسه الحميم، ثم قيل: صبوا فوق رأسه عذابًا هو الحميم للمبالغة بجعل العذاب عين الحميم، وهو مترتب عليه ولجعله مصبوبًا كالمحسوس ثم أضيف العذاب إلى الحميم للتخفيف، وزيد {مِنْ} للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع فهناك إما تمثيل أواستعارة تصريحية أو مكنية أوتخييلية.
{ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} أي ويقال: أو قولوا له ذلك استهزاءً وتقريعًا على ما كان يزعمه.
أخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة قال: لما نزلت {خُذُوهُ فاعتلوه إلى سُوء الجحيم} [الدخان: 47] قال أبو جهل: ما بين جبليها رجل أعز ولا أكرم مني، فقال الله تعالى: {ذُقْ} الخ.
وأخرج الأموي في مغازيه عن عكرمة أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما تستطيع لي أنت ولا صاحبك من شيء لقد علمت أنني أمنع أهل بطحاء وأنا العزيز الكريم فقتله الله تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} وروي أن اللعين قال يومًا: يا معشر قريش أخبروني ما أسمي فذكرت له ثلاثة أسماء عمر والجلاس وأبو الحكم فقال: ما أصبتم أسمي إلا أخبركم به؟ قالوا: بلى قال: اسمي العزيز الكريم فنزلت {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم} [الدخان: 43] الآيات، وهذا ونحوه لا يدل أيضًا على تخصيص حكم الآية به فكل أثيم يدعي دعواه كذلك يوم القيامة، وقيل: المعنى ذق إنك أنت العزيز في قومك الكريم عليهم فما أغنى ذلك عنك ولم يفدك شيئًا، والذوق مستعار للإدارك.
وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما على المنبر والكسائي {إِنَّكَ} بفتح الهمزة على معنى لأنك.
{إِنَّ هَذَا} أي العذاب أو الأمر الذي أنتم فيه {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون وتمارون فيه، وهذا ابتداء كلام منه عز وجل أو من مقول القول والجمع باعتبار المعنى لما سمعت أن المراد جنس الأثيم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)}.
هذه الجملة تتنزل من التي قبلها منزلة النتيجة من الاستدلال ولذلك لم تعطف، والمعنى: فيوم الفصل ميقاتهم إعلامًا لهم بأن يوم القضاء هو أجَل الجزاء، فهذا وعيد لهم وتأكيد الخبر لرد إنكارهم.
و {يوم الفصل}: هو يوم الحكم، لأنه يفصل فيه الحق من الباطل وهو من أسماء يوم القيامة قال تعالى: {لأيّ يوم أُجِّلَت ليوم الفصل} [المرسلات: 12، 13].
والميقات: اسم زمان التوقيت، أي التأجيل، قال تعالى: {إن يوم الفصل كان ميقاتًا} [النبأ: 17]، وتقدم عند قوله تعالى: {قل هي مواقيت للناس والحجّ} في سورة البقرة (189) وحذف متعلق الميقات لظهوره من المقام، أي ميقات جزائهم.
وأضيف الميقات إلى ضمير المخبر عنهم لأنهم المقصود من هذا الوعيد وإلاّ فإن يوم الفصل ميقات جميع الخلق مؤمنيهم وكفارهم.
والتأكيد ب {أجمعين} للتنصيص على الإحاطة والشمو ل، أي ميقات لجزائهم كلهم لا يفلت منه أحد منهم تَقْوِيَةً في الوعيد وتأييسًا من الاستثناء.
و {يوم لا يغني مولى} بدل من {يوم الفصل} أو عطف بيان.
وفتحة {يوم لا يغنى} فتحة إعراب لأن {يوم} أضيف إلى جملة ذات فعل معرب.
والمولى: القريب والحليف، وتقدم عند قوله تعالى: {وإني خِفتُ الموالي من ورائي} في سورة مريم (5).
وتنكير {مولى} في سياق النفي لإفادة العموم، أي لا يغني أحد من الموالي كائنًا من كان عن أحد من مواليه كائنًا من كان.
و {شيئًا} مفعول مطلق لأن المراد {شيئًا} من إغناء.
وتنكير {شيئًا} للتقليل وهو الغالب في تنكير لفظ شيء، كما قال تعالى: {وشيءٍ من سِدْرٍ قليلٍ} [سبأ: 16].
و وقوعه في سياق النفي للعموم أيضًا، يعني أيَّ إغناء كان في القلة بَلْهَ الإغناء الكثير.
والمعنى: يوم لا تغني عنهم مواليهم، فعُدل عن ذلك إلى التعميم لأنه أوسع فائدة إذ هو بمنزلة التذييل.
والإغناء: الإفادة والنفع بالكثير أو القليل، وضميرا {و لا هم ينصرون} راجعان إلى ما رجع إلَيْهِ ضمير {أهم خيرٌ} [الدخان: 37]، وهو اسم الإشارة من قوله: {إن هؤلاء ليقولون} [الدخان: 34].
والمعنى: أنهم لا يغني عنهم أولياؤهم المظنون بهم ذلك ولا ينصرهم مقيَّضون آخرون ليسوا من مواليهم تأخذهم الحمية أو الغيرة أو الشفقة فينصرونهم.
والنصر: الإعانة على العدو وعلى الغالب، وهو أشد الإغْناء.
فعطف {و لا هم ينصرون} على {لا يغني مولى عن مولى شيئًا} زيادة في نفي عدم الإغناء.
فمحصل المعنى أنه لا يغني مُوال عن مُواليه بشيء من الإغناء حسب مستطاعه ولا ينصرهم ناصر شديد الاستطاعة هو أقوى منهم يدفع عنهم غلب القوي عليهم، فالله هو الغالب لا يدفعه غالب.